أبــو شـنـب فـضــــة

من بعيد 

فى منزل بضاحية حلوان .. بيتى

سنين طوال ف الجنينة دى بقضى صباحاتى

أشرب قهوتى وأقرى الجرايد واتشمس 
وافتكر الذى كان 

سنين طوال من يوم خروجى من الخدمة 

بعد الإصابة 
وبعد السجن 
ومكنتش الاصابة ف القدم وبس 
لإن الرصاصة لما جاتلى .. كانت ف الروح والقلب
 والنِفس اللى انكسرت 
وانكسر وياها كل شىء 

تلاتة وعشرين سنة عدوا معرفش ازاى اتحملتهم 
وانا شايف البلد بيحصلها اللى حاصل 
من وقتها وانا عازل نفسى ف شرنقتى
 بيتى هوه كل دنيتى 
هوه وطنى الاخير بعد ما خذلنى الوطن الحقيقى .. 

الوطن الحقيقى ؟!! 
المضحك ف الحكاية 
انى مش مصرى المولد ولا الاصل
 انا جركسى 
وزى ما بيحبوا المصريين ينطقوها .. شركسى 
جيت من منطقة بعيدة اسمها .. القوقاز
 وسنة ما دخلت مصر مع اهلى يعنى 1853م 
 كان عمرى يا دوب خماستشر 

أهلى عدوا الاول على الأستانة ونالوا الرضا 
ولما جينا مصر دخلونى مدرسة المفروزة 
دى اللى كانوا بيختاروا منها الولاد النجباء
اللى هيسفروهم على أروبا يتعلموا
 مضيعتش وقت كتير وسنة 1854م كنت ف باريس 
بتعلم فنون الحرب بمدرسة متز العسكرية 
ورجعت سنة 1856م 

فورا اتعينت ف الجيش المصرى .. برتبة ملازم اول
 كان وقتها الوالى سعيد هوه حاكم مصر 
وبعدين قعدت اترقى 
واتنقل من مكان لمكان 
كنت شاطر حقيقى .. بحب شغلى 
وبحب عساكرى وكتيبتى وزمايلى 
كنت مستريح كفاية
 عشان مطمعش ف اكتر م اللى انا فيه ! 

شاركت ف حروب كتير 
 وكنت محل ثقة رؤسائى ونقلوا دا للخديوى اسماعيل
 اللى اثنى عليا ف أكتر من مناسبة 
ورقانى عشان أكون الياور بتاعه شخصيا 
الحقيقة كانلى عليه تحفظات كتير عليه 
رغم رغبته ف انه يبنى مصر حديثة 
على قد ما كبر ف البنيان 
على قد ما الفساد زاد وطال وخرب كل شىء 

أشهدله انه كان رجل دولة ناجح 
لولا الفساد اللى واستفحل ف عهده 
ومكنتش اتخيل انه أفندينا اللى أنا ياروه 
هييجى عليا يوم وأقف قصاد ابنه 
عشان ازحزحه عن العرش .. مضطرا  ! 

الجو النهاردة حلو .. أوائل يونيه 
ولسه الشمس محميتش قوى
 خلينى قاعد معاكم أحكى 
معرفش اشمعنى النهاردة دونا عن كل الأيام 
الذكريات بتهف عليا ؟! 

مش فاكر بالضبط امتى بدا الناس ينادونى كدا
  يمكن لأنى لون شعرى فاتح 
فشنبى كان ملفت للنظر 

لقيتهم بيندهونى
 بـ .. أبو شنب فضة 
كان عندى أغلى من أى لقب او رتبة
 حتى بعد ما بقيت بك وباشا وسعادتلو 
وحتى بعد النياشين الكتير 
وحتى بعد ما بقيت مأمور

 ثم لواء 

ثم الفريق 
أحمد راشد حسنى 

كل الأماكن اللى خدمت فيها ..
 قبلى مصر والسودان 
الحروب اللى دخلتها تحت اسم الجيش المصرى 
لمحاربة اعداء الدولة العثمانية
 فـ .. كريت وشبه جزيرة القرم 
كل دا مخلنيش أغمض عينى عن اللى حاصل ف الجيش
 تفشى المحسوبية وتأثيرها على انهيار الكفاءة
  ويكفى اللى حصلنا ف الحبشة ! 

أفندينا كان فاتح صدره للمرتزقة من كل جنس 
 امريكان وغيره حتى الجراكسة اللى انا منهم 
 كان بينفتح السكة 
قصاد اللى عندهم ضهر ومسنودين ومعاهم واسطة
 لكن الشطارة والمهنية .. لأ 
كنت شايف بعينى من غير ما حد يقولى 
ان الضباط المصريين اكثر كفاءة 
لكن عيبهم الوحيد .. انهم مش شركسيين ! 

اللى حصل من عرابى وزملائه مكنش مفاجأة اطلاقا 
 كان مشهور بالقوة والصلابة وينقصه المساندة 
ولما لاقاها وبتكليف من زمايله رفعوا شكوى
 لتحسين الاوضاع وللحصول على بعض المساواة 
وبلاش نقول كل العدل ! 

والحقيقة ان الاوضاع ف الجيش كانت سيئة من بدرى 
لكن زادت اكتر بمجى توفيق 
هوه صحيح أفندينا وابن أفندينا 
لكن دا ميمنعش أقول انه كان من أسوأ من حكم مصر 
وسوء تصرفه مكنش يبرره أى شىء ف الوجود 
سوى الطمع والجشع 
واللى جاله لعبة فقرر يتشبث بيها 
ويا ياخدها لوحده 
يا يكسرها 

لما توفيق أخد مكان أبوه فضلت ياور برضو 
 لكن سنة 1880 طلبت نقلى 
وسبحان الله كانت مترتبة ترتيب إلهى 
لانى اتعينت رئيس للمجلس الحربى 
وبعدها بسنة بقيت عضو ف القومسيون العسكرى 
ودول وظيفيتن خلونى أقرب لإصدار الاحكام ف الشكاوى
 اللى بتتقدملى بين العسكريين وبعض والسرايا
ومن هنا كنت ف وسط المعمعة 

لما حصلت المناوشات بين الخديوى وعرابى
 وحصل اللى حصل بينهم تكشفت مؤامرة 
للتخلص من عرابى وزمايله وتم احتوائها 
واتقدمت شكوى للخديو شخصيا .. 
وقتها احمد عرابى كان وزير الجهادية 
وأصر يختارنى لترأس التحقيق وكانلى الشرف العظيم 

ولما نظرت ف تفاصيل الشكوى ونتايج التحقيقات
 واقوال الشهود تاكدت فعلا من خطورتها
وأصدرت احكامى على كل المتهمين بالنفى 
الى أقاصى السودان 

كل نفر بعيد عن التانى !
 الكلام دا معجبش أفندينا ولا اللى حواليه
ومرضيش يصدق على الحكم 
واستفز العرابيين بميله لرأى القناصل
 اللى قالوله متمضيش ! 

فيه ناس لامتنى وقالتلى ان الحكم القاسى دا 
كان السبب ف اشعال النار بين الفريقين
 لكن الصراحة انه النار كانت قايدة تحت الرماد
ودى فقط القشة التى قصمت ظهر البعير 
الخديوى كان متربصلهم ومستشعر الخطر
 وخوفا على عرشه من (الأوباش) انهم يزيحوه 
قرر يدى ودانه للأجانب ويستقوى بيهم .. ! 

زملائى بقى لامونى بشدة 
ازاى اتجرأ واحكم على جركسى مننا بالنفى للسوادن 
وكمان وزير جهادية سابق زى عثمان رفقى شخصيا ! 
.. مهمنيش كلامهم 
و لا اقصائهم ليا من مجالسهم ومناسباتهم 
وتعاملهم معايا كمارق وخاين 
 انا عملت ما يمليه عليا ضميرى 
 

وبدأت التحركات الغربية لانقاذ عرش الخديوى الخانع 
من السقوط 
 واظن سمعتوا عن اللى حصل ف اسكندرية 
خناقة المكارى والاجنبى وما تلاها من شغب وقلق
 خلى الانجليز يولعوا ف النار اكتر 
ويتخذوها ذريعة لأنهم يجيبوا أسطولهم وجنودهم 
وييجوا يربضوا على شط اسكندرية فى تحفز واضح 

 

 

محدش كان يجول بذهنه أبداااا .. ما تلى  ! 
كان كل تركيز عرابى باشا انه يحتوى الموقف 
ويصدر للرأى الاعم وأروبا انه مش عاوز يشعل حرب 
وان الامن والامان مسئوليته هوه والجيش 
والعرابيين كلهم معاه 
لكن للأسف .. حسن النية دا مكنش ف محله بالمرة 
احتلال مصر كان امر محتوم 

وبينما كانت الاسكندرية تقصف 
والاخبار بتوصلنا ع اللى بيحصل هناك
 كنا بنسابق الزمن عشان نعمل استحكامات 
ف منطقة القناة 

ومصدقين ان ديليسبس هيقدر يقفلها 
ويمنع الانجليز من استخدامها ف الحرب لصالحهم 
لكنه لم يحدث طبعا 

الذى لم يحدث ايضا 
 ان توفيق يمنعهم مما يفعلون 
بالعكس سمحلهم بكل ما حدث لاحقا من استخدام القناة
 اللى أدى ذلك لسرعة وصولهم من اسكندرية لاسماعيلية
 ف حوالى 14 ساعة فقط 
ومن اسماعيلية للقاهرة الطريق بقى مفتوح 
كل دا مكنش ممكن يبقى بالسهولة دى .. لولا القناة 

وبدأت المعارك على الجبهة الشرقية 
اخد الانجليز السويس والاسماعيلية 
والطريق ما بينهم بقى تحت سيطرتها 
اتحركو لـ نفيشة وأخدوها 
وعند ترعة الاسماعيلية (المحفر) حاول العرابيين 
ردمها فباغتهم الانجليز واخدوها منهم برضو 
وقتها كنت  ف "المسخوطة" متمركز بقواتى 

كنت قائد القوات المصرية 

وكان محمود فهمى رئيس أركان حرب الجيش المصرى
 اللى كان مشهور بالمهارة ف وضع الاستحكامات
 لكن للأسف .. وزى ما قال عرابى باشا 
وكأن الحظ بيعاكسنا من الاول
 تم أسر محمود فهمى بعد معركة عنيفة 
بين الطرفين ف المسخوطة

خبر القبض على محمود فهمى كانله أثر كبير
 ف نفوس الجنود والضباط 
 لكن حاولنا نتماسك عشان مكنش فيه ترف اليأس
 الانجليز مكنوش لوحدهم اللى بيحاربونا
 كان قبلهم السرايا والخديوى وأعوانهم بالسلاح الأفدح 
.. الخيانة وعلى رأسها .. سلطان باشا 
ومن جوا الجيش نفسه .. على يوسف 
الشهير بـ خنفس واللى زيهم 

مش هتكلم عن المال اللى بدروه للبدو وغيرهم
 ولا ع الاغراءات اللى اتقدمت لشق صفوف الجيش 
وتأليب بعضهم على بعض
 يكفى أقولكم انه عرابى باشا ف التحقيقات خرجله 
ورقة كاتبها بخد ايده كان فيها الخطة المتحددة للقتال
 وبدل ما تروح لصاحبها راحت ف ايد الانجليز واعوانهم
 وخد من دا كتيييير 

المصريين ف الشوارع بعد الهزيمة لما كانوا بيقولوا
الولس كسر عرابى مغلطوش 
 خنجر الخيانة كان نصله الأشد 

انا فاكر الأيام دى زى ما تكون امبارح 
أيام 22 و24 و25 و26 اغسطس 
 لما فقدنا مناطق كتير 

وحاربنا على قد ما قدرنا 
كل اللى جاى من كل اتجاه 
قنابل المدافع وطلقات البنادق 
والخيانة اللى رصاصها الأشد

 

 

 

ف التل الكبير كانت المواجهات الاخيرة 
الالاى مشاة بقيادة على فهمى 
والاى الفرسان بقيادة احمد عبدالغفار
 واورطتين عساكر سوادنية وصلوا من دمياط 
وتحت قيادتى كانت معركة القصاصين الاولى 
 يوم 28 أغسطس 1882م 
وأبلينا بلاءا حسنا فيها لدرجة اجبرت الانجليز
 عن التوقف عن الزحف 

والانجليز عاوزين القصاصين 
بعد ما فقدوا سيطرتهم عليها 
 اترسمت خطة ان محمود سامى البارودى
 هيساعد بقواته ف مفاجأة الانجليز ف الفجر
 وانى ف نفس الوقت ادخل بقواتى معاه 
لكن اللى حصل ان الخطة انكشفت بحذافيرها 
عن طريق الاميرالاى على يوسف .. الشهير بخنفس
 وكان الانجليز مستعدين 

ولقتنى بحارب لوحدى 

لأن الدليل
 اللى كان مفروض يدل الباردوى على مطرحنا 
ماطل واتأخر بيه وبرجاله عمدا 
بعد ما قبض تمن الخيانة من سلطان باشا واعوانه 
أضف لكل هذا المنشور

 اللى حصل عليه الخديوى توفيق
أن عرابى عاصى
 وخارج عن طاعة السلطان العثمانى ! 

فيه ناس كتير كانت متحمسة وبتساعدنا
 لكن فيه ناس تانية كانت عاوزة تخلص 
ولما دخلنا ف الجد خافت 
ولما قرت المنشور بعضهم تراجع وانسحب 
واكتشفنا ان المنشور بتاع العصيان اتوزع منه الآف النسخ
على الضباط والأعيان والعربان والعمد والمشايخ 
ونصل الخيانة انغرز ف اللحم اكتر 

وأنا ؟!! 

أنا راجل عسكرى وشغلتى الدفاع عن وطنى
 وكنت مقتنع بالقضية وشايف انى على حق
 وواخد صف اصحاب الحق
 مخوفتش رغم انى عارف ان الهزيمة فيها موتى 
 لو مش هموت ف المعارك 
هموت محكوما عليا بتهمة الخيانة 
 ومن لم يمت بالسيف مات بغيره 

زى ما بيقولوا

ورغم ان الأسباب اللى قولتها دى 

مكنتش لسه تكشفت قصادى 

لكنى حاربت انا وأولادى
وكل من انضم لنا بقلب ميت وكأنه آخر يوم ف العمر 
 وف عز القتال .. جاتنى رصاصة ف رجلى
 على فهمى كمان جاتله رصاصه ف عضم الساق 
ومفيش داعى أقول اللى حصل بعد كدا 
 

عرابى باشا خاف على القاهرة 
أن تتكرر فيها مأساة الأسكندرية 
وفهم خلاص انها الهزيمة متجلية وسلم نفسه للعدو 
لانهاء الحرب وتحجيم خسايرها قدر الممكن
 والولس كسر عرابى 
وكسر مصر كلها .... الا المنحطين منها 

وانا راجع ف القطر مع على فهمى وباقى المصابين 
مكنتش أتخيل النهاية دى 
 وناس بترمى اخبار توصل لسمعى غصب عنى
عن اخوات لنا ف القتال استشهدوا منهم
 محمد عبيد 

 وغيره من رجال شرفاء ميتعوضوش
طول الطريق للقاهرة شايف مظاهر الخراب 
وغلابة كتير بيهربوا من الموت ومن الاحتلال المتوحش
 بينما الخديوى يتلقى التبريكات 

ويحتفل فى عابدين مع الانجليز بالانتصار


 

 

 ف المستشفى لما كنت بتعالج
 كنت بسمع الاخبار تتوالى 
محاكمة عرابى .. الحكم بالاعدام .. ثم تخفيفه للنفى 
هوه وزملائه .. محاكمات للعرابيين ف كل مكان 
وتربص وانتقام وتشفى 
وحرب شعواء 
لتدمير سمعة الثورة العظيمة 

عودة كل الوجوه الصدئة وانتصار الشر ... كان لا يطاق 
اتمنيت الموت كل يوم 

وانا بسمع اللى حصل لكبار الثورة 
وحتى صغارها .. البسطاء اللى وقفوا بصدرهم العارى 
واللى اتبرع بكل ما يملك من غالى ونفيس 
كل من آمن بالحق وقرر أن يثور على الظلم 
ويطالب بحقه فكانت هذه هى النتيجة !

 

 

 
كنت اتمنى اموت شهيد لكن ربنا كتبلى عمر
 خرجت من المستشفى 
 قالولى ع السجن !

وتمت محاكمتى وخرجونى دون احكام 
قرروا الا يسيئوا لمن يعتبروه ف النهاية منهم 
حتى لو خرج عليهم 
وطبعا مكنش ينفع أرجع لوظيفتى 

آه ... نسيت أقولكم ان افندينا حّل الجيش 
وسرح جنوده وضباطه .. بأمر الانجليز
 أصبحت مصر الآن بلا جيش 
فنيتو 

وانا كمان .. فنيتو 
رجعت لبيتى وقررت أن أجعله وطنى 
بعدما ضاقت عليا الأرض 
 ...

الوطن .. هذا البلد وطنى 
 من اول يوم حطيت فيه برجلى 
وانا لسه مراهق قلبى اخضر 
بيتعلق بالشوارع والبيوت والناس والهوا والنيل 
حاجات معرفش أوصفها
   لو البارودى باشا كان هنا كان يقدر يوصفها ببراعته
يوصف ازاى حب المكان يسكنك 

مش انتا اللى تسكنه 

والناس .. هولاء البسطاء اللى راضيين بالقليل 
واحنا الغرباء اللى عايشين ف نعيم من خير بلدهم 
اللى جيناها زوار وأسرى وضيوف 
زملائى وعساكرى وضباطى 
والمحبة والاخلاص 

واحنا بنقاتل كتف بكتف 
واخدنا كتير مقابل ما أعطينا 
كل سنة عدت عليا أحببت فيها هذه الارض 

وعلى قد ما سافرت وشوفت بلاد اجمل وأرقى 
وعاشرت ناس يبان انهم أحسن وأفضل 
بعد كل النياشين اللى اخدتها 
والحروب اللى انتصرت فيها 
وكان ممكن تجيبلى فرص لمناصب اكبر وبلاد احسن 
لكنى أخترت أقعد هنا ف هذا البلد الطيب اهله
 أسكن بيوتها 
امشى ف شوارعها 
وأصلى بمساجدها 

أفندينا مات من سنين 
 وجاء أفندينا الجديد .. عباس حلمى التانى 
 من أول ما مسك ويبدو عليه مختلف عن أبوه
 عينه كلها ذكاء وعنده كرامة وحمقة ثورية 

وبيناطح ف الانجليز
 وبيلم الناس الكويسة حواليه ...
 لكن يا ترى .. يا هل ترى 

 هيفضل كدا علطول ولا العرق دساس ؟!!! 

ورغم كل خساراتى 
لو عاد بى الزمن إلى الوراء
 لوقفت تانى وتالت امام هذا الخائن بحق 
 توفيق اللى الناس ف الشوارع كانت مسمياه
 توفيقة الانجليزية 
على قدر ما ضحكت اول مرة سمعتها 

على قدر ما حزنت 
 كيف يؤتى احدهم ملك مصر الغالية 

ويسقطها ف الاوحال
 كما فعل هذا الوغد ؟!! 

كيف صوّر له غبائه أن يفعل هذا بالبلاد والعباد 
 وبنفسه حتى ؟! 
وكيف ارتضى أن لا يتركها للمصرى ابن البلد 
ويسلمها ببساطة الى المحتل الأجنبى ؟! 
ويجرؤ بطانته .. أن يسموا عرابى بالعاصى والخائن ؟!! 

الحقيقة انه هذه العائلة أتتها النعمة من الهواء 
 مُلك وهبط فوق رأس جدهم الاكبر 

فتمرغ فيه
 حكم شعبا طيبا يتنازل منذ الازل عن حقوقه
 لو استمر الحال هكذا ... 

ليس من المستبعد أبدا 
أن يضيع ملكهم كما ضاعت ممالك من قبل 
 لاستهتار وخنوع وطمع اللى بيحكمنا منهم ! 

احنا الآن فى سنة 1905م وقريت ف الجرايد 
ان عرابى باشا عاد الى مصر من أربع سنوات
 لولا انى رهين بيتى
 ولا اخرج أبدا الا لصلاة ف المسجد المجاور 

وأعود والعيون تترصدنى 

لكنت زرته او دعوته عندى 
لكنى أعرف انه مثلى رهين محبسين ثلاث أربع حتى 
ولم يتوقف الهجوم عليه من قبل حتى أن يعود 

 

 

 

 

قريت اللى انكتب عنه من هراء وصفاقة 
 كيف تجرأ هولاء على سبه بعد كل ما صنع !
 ربما صغار السن معذورون
أصبحنا فى كتب التاريخ عصاة 
وبيقولوا عليها دلوقتى .... هوجة عرابى ! 
هوجة وراحت لحالها 
وبيقولوا اننا السبب ف الاحتلال 
.. يلا 
.. فوق البيعة ! 

 

 

 
كيف يتحمل هذا الرجل الطيب المخلص كل هذا ..

ياه .. السؤال اجابته عندى 

ما الحال من بعضه يا باشا  ! 
التزمت بيتى انا كمان عشان مسمعش ومشوفش 
اللى بيتقال وبيحصل 
 يكفى ما أقراه ف الجرايد ويفوّر دمى 
من كدب ومغالطات وافتراء واجرام 
يوقف غضبى زقزقات عصافير جنينتى 
وافتكر زمان والناس بتغنيلك .. 

من طلعة الفجر 
قومى يا مصر يا عيّاشة
وقمّرى العيش
ومدى إيديكى
لأحــــمد عرابى باشا
آمــــر لواء الجيش

وهتاف كل وقت 
...
 الله ينصرك يا عرابى 
بينما يسبون الخديوى 
..
 يا توفيق يا وش القملة 
مين قالك تعمل دى العملة ! 

أعلم يا باشا اننا فى موقف عصيب .. دام طويلا 
 ربما نموت ولا يعلم من الاحياء حوالنا ما قد صنعنا 
وما كان فى نيتنا لخلاص البلد وحريته 
...
 لكنى لا اخشى هذا
 تعودته 
ما دمنا تحت سلطة احتلال اجنبى 
..
 ومن قبله حكم اسرة محمد على 
 فما يحدث من انحدار وبشاعات .. منطقى 
وقد يكون حتى عقاب نستحقه ! 

 

 

 

لكنى أخشى ما اخشاه ان ينسانا التاريخ أيضا 
كما يفعل الحاضر ! 
ويأتى اناس من بعدنا .. ولو بعد مائة عام 
يظنون انها كانت هوجة فعلا واننا كنا عصاة وخونة !
هل تظن يا باشا أن يذهب كل ما حدث هباء ؟!
دماء الشهداء 
وأنات المساجين 
واهالى المفقودين 
النفى الجبرى والاختيارى ؟! 

وكل هذه التضحيات الكبيرات ... ؟!

كل هذا العذاب .. هل يمسى قبض الريح ؟
 اما انه يوما ما سيقرأ احفادنا وأولاد احفادنا عنا

 وهيعرفوا الحقيقة ؟ 

 

 
هل سيتذكر احد عرابى وعبدالعال حلمى وعلى فهمى 
ومحمود فهمى والبارودى ومحمد عبيد والنديم 
والشيخ العدوى ومئات والآف 
من استشهد 
ومن سجن
 ومن نفى 
ومن عاش طريد 
ومن عاش سجين بيته وذكرياته مثلى ومثلك ؟؟ ! 

هل تظن يا باشا ان يوما ما
 سيخرج من وسط المصريين
من يحارب الاحتلال ويطرده ؟! 
وهل تظن سيأتى يوم ويكون خير هذه البلد لأهلها 
ومن يحبها بصدق مثلنا ؟ 

 

 

 

لا أعرف حقا
 ولكنى ادعو الله أن يدرك أهل هذا البلد الطيب 
أنى كنت مصرى زيهم 
وانى احببت بلادهم اكثر مما احببت أى أرض 
ويوما ما يا باشا سينتهى كل هذا
 وسأدعوك لفنجان قهوة ف جنينتى 
ونستمع لزقزة العصافير وحتما سنجد كلاما كثيرا 

نحكى فيه 
ولن ينقطع أبدا
 ... 

لكن سامحنى الآن
 فسوف أغمض عينى قليلا لأغفو 
  لك تحيتى وخالص محبتى
....
رفيقك ف الهوجة 
أحمد راشد حسنى

الشهير بـ .... أبو شنب فضة 
 

 

....
 تاريخ الوفاة 11 يونيه 1905 

المصادر 
 1)
 البعثات العلمية فى عهد محمد على - عمر طوسون
 2)
 احمد عرابى الزعيم المفترى عليه - محمود الخفيف 
3)
الثورة العرابية - صلاح عيسى 
4) 
صفوة العصر - زكى فهمى 
5)
الثورة العرابية فى الميزان - حسن حافظ
 6)
 مذكرات عرابى

وتصبحوا على ألف خير 

-------------------------------

وقد كان الفقيد معروفًا 

«بأبي شنب فضة»  

وذلك لمناسبة اصفرار شاربيه 

ومقاربة لونه مع تلويح الشمس إلى لون الفضة

صفوة العصر